الجمعة، 8 فبراير 2013

أهدي هذه القصيدة إلى أم لمى



أهدي هذه القصيدة إلى أم الطفلة المغدورة لمى

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

العدالة

هيّا انْفُضي ثوبَ الأسى .. وثِقي بربِّ العالمين

وتجلّدي للنائباتِ وجدِّدي للهِ عَهْدَ الصّابريْن

سَتَرَيْنْ عِنْدَ النّصْرِ آثارَ اليقينْ

ستريْنَ أنوارَ العدالةِ صعقةً تغتالُ أمنَ الظّالمين .

***

صوتٌ تناهى من وراءِ الحُزنِ من تحتِ الرُّكامْ

في غفلةٍ مِنْ ماردِ اليأسِ وشيطانِ الظّلامْ
وأنا أُلَملِمُ من بقايا القلبِ آثار الحُطامْ
فيئِنُّ يشكو من طواغيتٍ لئامْ
قد مزّقوهُ وشيّعوا في النفسِ جثمانَ السّلام !
***
ظُلْمٌ تكانفني
ومالي غيرُ آمالٍ تراءى كالخيوطْ
قد قُطِّعتْ لمّا دوى في الكونِ إعلانُ السُّقوطْ
لا نقضَ لا استئنافَ
ها قدْ أسدلوا في "مسرحِ الأحداثِ" أستارَ القُنُوطْ !
***
بعدَ انتباهي ، عُدْتُ وحدي أرتدي "ثوبَ الحِدادْ"
ألتفُ بالأحزانِ ، أخفي آهةً حرّى ، ويطويني السّوادْ
ضاعتْ ملامحُ خطوتي من تيهِها في كلِّ وادْ
أخفيتُ دمعي في أخاديدِ الفؤادْ
وكظمتُ غيظي أرتجي لُطْفَ الجوادْ
فالعدلُ في ميزانِ ربي فوقَ طُغيانِ العِبادْ
وهُناك محكمةٌ سيأتي حُكْمُها بالحقِّ من فوقِ الغَمامْ
ستدكُّ حُصْنَ الجورِ دكًّا فوقَ هاماتِ اللئامْ
***
ضمّدتُ جُرحي قَبْلَ أنْ يأتي عَلَيّ ..
وشربتُ كأسَ مرارتي بـ"شجاعةٍ" ظلّتْ لديّ ..
أغلقتُ مِحرابي عَلَيّ
أرسلتُ خوفي في يديّ
أطلقتُ دمعي أستجيرُ اللهَ ؛ أرجو رحمةً تُهدى إليّ ..
***
أعطيتُ للنفسِ الأمانَ فأظهرتْ ضَعْفَ الكسيرْ
وتوسّلتْ للهِ ترجو "العَدْل" للعبدِ الفقيرْ
وجثتْ لِتُعلِنَ في هزيعِ الليلِ عن ذُلِّ الأسيرْ
***
سطّرتُ شكوايَ الطّويلةَ بالدُّموع
ضمّنْتُها أسرارَ أحداثٍ بلا إثبات .. إلا شاهدٌ خلفَ الضلوعْ
ومِدادُها من ظُلمةِ الآلامِ ، والآمالُ في قلبي شُموعْ
أودعتُ فيها كلَّ ما عندي منَ الذُّلِّ الموشّى بالخشوعْ
أرسلتُها في ظُلمةِ الليلِ البهيْمْ
من أعمقِ الأعماقِ في قلبي السّقيْمْ
من غيهبِ الأحزانِ ، من قهري القديْمْ ..
.
.
.
لمسَ الهُدى قلبي ، فأدمنتُ السُّجود
ووثقتُ بالرحمنِ أنتظرُ الوعود
وعلى ضفافِ الليلِ جدّدْتُ العهود
***
نَسِيَ الجميعُ حكايتي .. ومضتْ بها ريحُ السِّنيْنْ
وأنا على عهدي أُلِحُّ مع السّهارى الخاشعيْنْ
وأظلُّ ألْهَجُ بالدّعاءِ يحفُّني نورُ اليقيْنْ
واللهُ جبّارٌ متيْنْ
ها قد أتى النّصْرُ المُبيْنْ
في غفلةٍ ..
دارتْ دوائرُها لتهوي بالعُتاةِ الغاصبيْنْ
وانهارَ صرحُ الظُّلْمِ فوقَ الظّالميْنْ
***
زلّتْ بهم أقدامُهم .. فتجرّعوا كأسَ الهوانْ
وهوى على هاماتِهم حُصْنُ الأمانْ
وتساقطوا شيئًا فشيئًا خلفَ أسوارِ الزّمانْ
***
ورأيتُ من فضلِ الإلهْ
حُكمَ العدالةِ في العُصاةْ
ورأيتُ كيف تمرّغتْ في الخزيِ أعناقُ العُتاة
هذا انتقامُ اللهِ لا يُدرى مداهْ
ميزانُهُ حقٌّ سيسحقُ كلَّ جبّارٍ عصاه
سيُذيقُهم خِزيَ الحياةِ وينتهي بهمُ المطافُ هناك
في مثوى الجُناةْ

ممن ننصف النساء ؟؟



ممن ننصف النساء ؟؟

تخيلت ذات قهر أني أمام قاض وقور ، أجلس بقلب جسور ، ثم أقف بجرأة وبسالة ، أنشر ورقة كتبت فيها مسبقاً مرافعة تقنع العقلاء ، وتلجم الأدعياء ، ثم أقرأ :

سيدي القاضي : ها أنا ذي أقدم نفسي إليكم باسم امرأة ، أطالب بالفصل وأثق في العدل ،وأعيذكم بالله من الظلم والجهل .

سيدي : لو تعلمون ما أقاسيه في دنياي لتركتم مقعدكم الرفيع هذا ونزلتم إلى جانبي لتأخذوا بيدي وتباركوا جلدي .

صلب قضيتي يا سيدي أنني امرأة !
هكذا أراد لي الله أن أكون - ولا اعتراض لدي - فالأمر لله أولاً و آخراً ، إلا أن الظلم الذي اكتنفني ما يزال في ازدياد وتفاقم .
لقد قيدوني يا سيدي ، ثم عادوا فقيدوني ، وكلما تأقلمت على قيد واعتدت عليه نزل على عنقي قيد جديد ، ولم تزل بي القيود حتى أنه لم يعد لدي مكان للنفس .
إنهم يحاولون تكميم فمي ، والحجر على حنجرتي ، يقولون إن صوت المرأة عورة ، وإن رأيها عورة ، وفكرها عورة ، وإنها يجب أن تكون صماء بكماء ، ولا ينبغي طبعاً أن تتعلم لغة الصم والبكم لأنها تتطلب تحريك اليدين وفي ذلك ما فيه من الجرأة و الاسترجال !
لقد دمروني بفهمهم الخاطئ لتعاليم الدين فكل ما أفعله لأعبر عن نفسي يحاربونه بكلمة حرام ، وكأنهم لم يقرؤوا الأحاديث ترويها أمنا عائشة رضي الله عنها ، ولم تشنف آذانهم أشعار خناس ، ولم يسمعوا عن تجارة أمنا خديجة رضي الله عنها وأرضاها ولم ترد على أسماعهم بطولات خولة ولا رحلات أم سلمة رضي الله عنهن جميعاً !
لقد كسروني يا سيدي ، فكلما أرادوا أن يتندروا جعلوني طرفتهم ، وكلما أرادوا أن يتفاخروا أعملوا فيّ أسلحتهم ، زوجوني وأنا قاصر لم أتجاوز الثالثة عشرة من شيخ في السبعين ! طلقوني من زوج أرتضيه لأنهم اكتشفوا أن نسبه لا يكافئ نسبي بعد إنجاب أطفال ! منعوني من المطالبة بقيادة دابة هذا العصر وقد قادت جدتي دابة عصرها !
فجأة صرخ القاضي : حسبك يا ابنتي لقد أوجعتنا ، من هم أعداؤك هؤلاء حتى نأخذ لك حقك منهم ؟
نزل عليّ سؤال القاضي وكأنه صعقة لم أحسب حسابها !
صحيح ، لقد أعددت مرافعتي ، وفندت شكواي دون أن أحدد خصمي ، يا الله !
حاولت استعادة توازني واستغلال تعاطف القاضي معي وبدأت أحاول تحديد ذلك الخصم حتى ينصرني عليه ويعيد لي ما ضاع من حقوقي على يديه ، فقلت :
يا سيدي إنه الرجل ، نعم الرجل ، إنه خصمي الأول والأخير ، لقد ظلمني وكسر نفسي وحارب وجودي بما استطاعه من قوة و...
مهلاً يا سيدي ، لي خصم آخر ، إنه الأعراف والتقاليد ؛ نعم ، كلما أردت أن أتنفس رفعت سيفها في وجهي ، فهي تقتضي أن أكون كائناً خفياً لا يُسمع ولا يُرى حتى تكون هي في أمان وتبقى موفورة الكرامة لها كلمتها في الناس .
وخصم آخر سجله لديك يا سيدي القاضي إنه المجتمع ، المجتمع كله بحاضرته وباديته ، يريد أن ينظم صفوفه بدوني ، ويراني نشازاً بين تلك الصفوف ، فإن لبست ثوب البداوة رآني متخلفة لا أرقى إلى المستوى الذي يشرفه بين المجتمعات ، وإن أخذت من الحضارة سبباً قطعه واتهمني بالخروج والسقوط ، فهو متحير في أمري ، ناقم على وجودي ، متحسر على ترك وأدي بمجرد أن ولدت .
وخصم آخر وأظنه الأخير ، إنه المرأة نفسها ؛ لا تستغرب سيدي ؛ المرأة من أكبر أعداء المرأة ، ولعل الدافع للمرأة إلى معاداتي عجزها عن معاداة الرجل ، وعندما لم تستطع معاداته أرادت استرضاءه بالنيل من بنات جنسها ، المرأة يا سيدي هي أول من يجلدني إن أخطأت ، ويحسدني أن أصبت ، ويلومني إن تظلمت ، ويحتقرني إن سكت ، وهي أكبر عون لكل أعدائي السابقين للنيل مني .
لحظة يا سيدي ، لقد تذكرت خصماً آخر ، ويا له من خصم !
إنه أنا !
أنا يا سيدي كائن مسكون بالضعف ، لي لسان لا أتجرأ أن أطالب به بحقوقي ، ولي عينان لا أرى بهما قيمتي التي يجب أن أناضل من أجلها ، ولي قدمان لا يخطوان إلا إلى الخلف ليلصقاني دائماً بالجدران والزوايا ، ولي ...
لحظة يا سيدي هذا الكلام يذكرني بخصم آخر ؛ إنه تربيتي !
نعم لقد تربيت على أكون لا شيء ، على أن أنكسر للجميع ، على أن أنسحب إلى الخلف دائماً ، على أن أتحمل العقاب وأنا المظلومة ، وأصبر على اللوم وأنا المجني عليها ..
وهنا قاطعني القاضي وطرق على طاولته بالمطرقة فاهتزت القاعة كلها وقال :
اعذريني يا امرأة ، سوف أحفظ ملف قضيتك بسبب كثرة خصومك ؛ فلو فتحت تحقيقاً مع كل خصم منهم لتطلب الأمر مجمعاً من المحاكم وطابوراً من القضاة إضافة إلى مدرجات كبيرة لاستيعاب الشهود ، وحقبة من الزمن لا أعدك بتحديدها ، اذهبي لك الله .