الجمعة، 18 ديسمبر 2020

إيه .. يا جنة الحرف

 

إيهِ.... يَا جَنَّةَ الْحَرْفْ

مَجْدٌ تَعَاظَمَ فِيكِ بِالْمِيلَادِ   

                              وَعُلًا حَبَاكِ جَنَاحَهُ فَارْتَادِي

وَتَهَلَّلِي وَاهْمِي عَلَى سَمْعِ الْمَدَى

                             فَمُزُونُ جُودِكِ فِي يَدَيهِ غَوَادِ

وَتَنَاثَرِي دُرَرًا عَلَى أَشْوَاقِهِ

                                فَلَطَالَمَا وَافَيْتِ فِي الْمِيعَادِ

وَبَسَطْتِ أَشْجَانَ الضَّمَائِرِ جَنَّةً

                               لِلْحَرْفِ مَا عَزّتْ عَلَى وَرَّادِ

وَلَطَالَمَا سُقْتِ الْأَثِيرَ لِعَاكِفٍ

                                وَحَمَلْتِ أَسْفَارَ الْخُلُودِ لِبادِ

وَوَقَفْتِ وَالتَّارِيخَ رَمْزَي قِصَّةٍ

                                    مَحْفُورَةٍ بِذَوَاكِرِ الْآمَادِ

مُنْذُ ارْتَضَاكِ النُّورُ تِبْيَانًا لَهُ  

                                 بِدءًا بِهودٍ مُرسَلًا فِي عَادِ

حَتَّى ائْتَلَقْتِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ

                            وَنَعِمْتِ فِي كَنَفِ الْهُدَى وَالْهَادِي

فَإذَا الظَّلَامُ عَلَى لِسَانِكِ يَنْجَلِي  

                               وَإِذَا السَّنَا مِنْ رَاحَتَيْكِ يُنَادِي

وَإِذَا الْبَلَاغَةُ فِي طَيَالِسِ مُلْهَمٍ    

                             أَسْرَارُهُ فِي قَافِ أَوْ فِي صَادِ

وَإِذَا فِجَاجُ النُّورِ تَعْتَنِقُ السُّهَا  

                                  بِرَوَافِدٍ مِنْ طَيِّبِ الْأَوْرَادِ

فَيَشِفُّ عَنْهَا الطِّينُ ثَمَّ تَجَلِّيًا

                                  إِذْ تَعْرُجُ الْأَرْوَاحُ بِالْأَجْسَادِ

يَهْنِيكِ مَجْدٌ يَا كَرِيمَةُ حُزْتِهِ

                                 لَمَّا تَزَلْ حُسْنَاهُ فِي اسْتِطْرَادِ

مِنْ أَيِّ إعْجَازٍ أَتَيْتِ فَأَذْعَنَتْ   

                                     رُوحُ الْبَيَانِ بِأُفْقِهَا الْمُنْقَادِ

فَسَرَدْتِ عُمْرَ الْحَرْفِ دُونَ تَلَعْثُمٍ  

                                    بِلِسَانِ أَزْمَانٍ وَوْجْهِ بِلَادِ

وَنَفَثْتِهِ سِحْرًا عَلَى أَوْتَارِهِ

                             يُسْبَى النُّهَى وَتُرَدُّ رُوحُ الصَّادِي

وَصَبَبْتِ إِحْسَاسَ الْمَحَابِرِ نَابِضًا

                                       آثَارُهُ نَقْشٌ عَلَى الْأَكْبَادِ

فَاللَّفْظُ فِيكِ صَدًى يُجَاوِزُ وَقْعَهُ

                                    وَمَدًى يَتُوقُ لِرِيشَةٍ وَمِدَادِ

مُتَرَادِفٌ تَأْتِيهِ مِنْ أَطْرَافِهِ

                                     أَوْ سَالِكٌ فَجًّا إِلَى الْأَضْدَادِ

مُتَمَرِّدٌ لَا وَجْهَ فِيهِ لِغَيْرِهِ   

                                        أَوْ طَيِّعٌ يَأْتِيكَ دُونَ قِيَادِ

يَنْسَابُ فَيْضًا سَلْسَلًا مِنْ مُرْهَفٍ 

                                  فَيَرِقُّ طَرْسٌ لِلنَّدَى المُتَهَادِي

أَوْ يَنْبَرِي سَيْفًا جَسُورًا إِنْ بَدَتْ

                                   فِي غَضْبَةٍ لِأُولِي الْبَيَانِ بَوَادِ

أَمَّا المَعَانِي فَامْتَلْكْتِ زِمَامَهَا 

                                     يَغْدُو بِهَا وَادٍ وَيَسْرِي وَادِي

يَفْتَرُّ عَنْهَا السِّحْرُ مَشْدُوهًا وَقَدْ    

                                        يَحْتَارُ فِي الْإتْهَامِ وَالْإنْجَادِ

فَإِذَا تَلْوْتِ الطُّهْرَ هِمْتِ بِرُوحِهِ

                                             لِعَوَالِمٍ قُدْسِيَّةِ الْأَبْعَادِ

وَإِذَا اقْتَحَمْتِ عَلَى الْهَوى آفَاقَهُ  

                                     قَدَحَتْ سِهَامُكِ فِيهِ كُلَّ زِنَادِ

وَإِذَا انْطَلْقْتِ مَعَ الْفُنُونِ فَلُجَّةٌ

                                        دَفَّاقَةُ الإصْدَارِ وَالْإِيرَادِ

فَلَقَدْ مَلَكْتِ الْقَوْلَ مِنْ أَبْوَابِهِ

                                       وَسَلَكْتِ فِيهِ مَسَالِكَ الرُّوَّادِ

لُغَتِي وَهَلْ لِلْقَوْلِ فِيكِ تَتِمَّةٌ  

                                      يَا مَنْهَلًا يَجْرِي مَعَ الوُرَّادِ

وَاللهِ لَوْ  تُرِكَ الْبَيَانُ وَشَأنَهُ

                                    يَرْعَى الذُّرَى وَيَهِيمُ بِالْأَمْجَادِ

لَطَوَى خُطَاهُ عَلَى رُوَاقِكِ رَاوِيًا

                                       مَا قَالَ وَصَّافٌ وَغَرَّدَ شَادِ

مُتَخَيِّرًا عَنْ مُلْكِ ألْسِنَةِ الوَرَى 

                                     شَرَفَ الْحِجَابَةِ فِي بَلَاطِ الضَّادِ

الأحد، 13 ديسمبر 2020

لا عزاء للقبلتين

 

                          لَا عَزَاءَ لِلْقِبْلَتَيْنْ

فِي مَكَّةَ الْوَحْيِ  بَيْتٌ شَاعَ سُؤْدَدُهُ  يَرْنُو لَهُ الْكَوْنُ وَالْآفَاقُ تَقْصِدُهُ

 وَالنُّورُ يَرْسُو عَلَى أَرْكَانِهِ عُمُداً  زُهْرٌ قَرَابِينُهُ تَتْرَى قَلَائِدُهُ

لَكِنَّ أَشْوَاقَهُ لِلْقُدْسِ مَا بَرِحَتْ  فِي كُلِّ بِارِقِ آمَالٍ تُعَاوِدُهُ

فِي رُوحِهِ مِنْ دَوَاعِي فَقْدِهَا أَلَمٌ   وَأُمْنِيَاتٌ يُرَجِّي قُرْبَهَا غَدُهُ

وَمِنْ صَفَاهُ إِلَى مَرْوَاهُ أَسْئِلَةٌ  مَوْجُوعَةٌ تَنْجَلِي عَمَّا يُرَاوِدُهُ

أَمَا تَزَالُ عَلَى ذِكْرَاهُ بَاقِيَةً  أَمْ فَاتَهَا فِي زَمَانِ الْفَقْدِ مَوْعِدُهُ ؟!

وَهَلْ لَهُ نَحْوَ مَا يَرْجُوهُ مِنْ أَمَلٍ  أَمْ أَنَّهَا مَحْضُ أَحْلَامٍ تُرَاوِدُهُ؟!

عَلَى جَنَاحِ بُرَاقٍ لَا يَزَالُ بِهِ    يُدْنِيهِ مِنْ قُبَّةِ الْأَقْصَى وَيُبْعِدُهُ

مِنْ صَخْرَةٍ أَمَّتِ الْمِعْرَاجَ وَابْتَهَلَتْ  مِنْ سَاحَةِ النُّورِ إِذْ يَسْرِي مُحَمَّدُهُ

وَهْوَ الْمُحَرَّمُ وَهْوَ الْبدء وهو ثرى  عتقٍ من العرش قد مُدت قواعدُهُ

مَا زَالَ يَلْتَمِسُ الْقُدْسَ الَّتِي سُلِبَتْ  فِي كُلِّ فَوْجٍ مِنَ الْآفَاقِ يَقْصِدُهُ

مَا زَالَ يَبْعَثُ نَشْرَ الْعَاكِفِينَ لَهَا  وَجْدًا إِلَى مُنْتَهَى الْأَصْوَاتِ يُصْعِدُهُ

وَخَلْفَ كُلِّ أَذَانٍ رَجْعُ أُمْنِيَةٍ    أَنْ يَسْمَعَ الْكَوْنُ فِيهَا مَنْ يُرَدِّدُهُ

وَفِي رُبَى طَيْبَةَ الزَّهْرَاءِ أَجْنِحَةٌ  مِنْ عَابِدٍ يَسْتَقِيهَا الْحُبَّ مَعْبَدُهُ

مِنْ آمِلٍ فِي مَسِيرٍ نَحْوَ جَنَّتِهَا   أَوْ قَانِتٍ فَوْقَ هُدْبِ اللَّيْلِ مَسْجِدُهُ

أَوْ عَاشِقٍ إِنْ تَجَافَى دَمْعُ حُرْقَتِهِ  يَسْتَرْفِدُ الرَّوْضَةَ الْأَسْنَى فَتَرْفِدُهُ

يَمُدُّ حَبْلَ وِصَالٍ مُوغِلًا قِدَمًا    مَا كَانَ أَغْنَاهُ عَنْ جُرْحٍ يُوَطِّدُهُ!

قُدْسُ الْقَدَاسَاتِ مِيقَاتُ الْخُلُودِ ثَرَى  مِحْرَابِ صِدْقٍ لَهُ فِي الْغَيْبِ سُؤْدَدُهُ

تِلْكَ الَّتِي سِيقَ خَيْرُ الْعَالَمِينَ لَهَا   طُهْرًا تُزَكِّيهِ أَوْ نُورًا تُعَمِّدُهُ

تِلْكَ الَّتِي رَفَعَتْ لِلْمُعْجِزَاتِ يَدًا  وَاسْتَأْنَسَ الْحَقُّ مِنْهَا مَنْ يُجَسِّدُهُ

كَمْ مُصْطَفًى عَمَّتِ الدُّنْيَا هِدَايَتُهُ  فِي الْقُدْسِ مَثْوَاهُ أَوْ فِي الْقُدْسِ مَوْلِدُهُ

كَمْ آيَةٍ آنَسَتْ مِينَاءَهَا فَرَسَتْ   وَكَمْ كِتَابٍ تَجَلَّتْهَا فَرَائِدُهُ

كَمْ صَادِرٍ عَنْ مَآقِيهَا يَطُوفُ ذُرَى الْإيمَانِ وَالْعَالَمُ الْعُلْوِّيُ مَوْرِدُهُ

كَمْ ظَاعِنٍ مُنْذُ أَنْ حَيَّا مَنَائِرَهَا    أَلْقَى عَصَاهُ وَوَجْهُ اللهِ  مَقْصِدُهُ

حَلَّ الْوُجُودُ بِهَا فَاخْضَرَّ وَانْتَبَهَتْ  بُشْرَى وَفَاضَ عَلَى صُبْحٍ تَوُرُّدُهُ

مَرَّتْ عَلَى مُقْلَةِ التَّارِيخِ شَامِخَةً  مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْتَرِيهَا مِنْهُ أَسْوَدُهُ

كَانَتْ وَكَانَ زَمَانٌ مُورِقٌ عَبِقٌ   وَالْيَوْمَ جُرْحٌ  مَصِيرِيٌّ نُكَابِدُهُ

وَكَانَ لِلْحَقِّ ثَغْرٌ نَاطِقٌ وَلَهُ  فِي كُلِّ سَانِحَةٍ سَهْمٌ يُسَدِّدُهُ

فِي أَيِّ كُوَّةِ بُؤْسٍ قَدْ كَمَنْتَ لَهَا  يَا غَدْرُ ؟ أَيَّ اتِّفَاقٍ جِئْتَ تَعْقِدُهُ ؟

مَلَّكْتَ آمِنَةً يَهْفُو السَّلَامُ لَهَا  مَنْ أَنْجَبَ اللَّعْنَةَ الْأُولَى تَمَرُّدُهُ !

كَيْفَ اسْتَطَلْتَ عَلَيْهَا وَاصْطَنَعْتَ لَهَا  بَغْيًا تَطُوفُ عَلَى الدُّنْيَا مَوَائِدُهُ ؟!

بَغْيًا دَعَاوَاهُ تَضْلِيلٌ وَدَوْلَتُهُ   لَا تَسْتَحِلُّ ثَرًى إِلَّا وَتُفْسِدُهُ

تَاهَتْ عَلَى كَوْكَبِ التَّارِيخِ  يَسْرُدُهَا  فِي كُلِّ مَشْهَدِ إِقْصَاءٍ وَتَسْرُدُهُ

حَتَّى أَنَاخَ بِهَا فِي الْقُدْسِ مُجْتَرِئٌ    يَا لَيْتَهَا قُطِعَتْ مِنْ دُونِهَا يَدُهُ

كَيْفَ اسْتَبَاحَتْ ضَمِيرَ الْكَوْنِ فِي سِنَةٍ   فَضَمَّهَا مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ سَيِّدُهُ

تِلْكَ الَّتِي قَدْ تَحَدَّتْ رَبَّهَا حِقَبًا  وَاسْتَنْكَفَتْ كَوْنَهَا فِيمَنْ يُوَحِّدُهُ

وَاغْتَالَتِ الْحَقَّ يَسْعَى فِي رَسَائِلِهِ   فِي مُرْسَلِيهِ وَفِي آيٍ تُمَجِّدُهُ

قَدْ وَقَّعَ الْغَدْرُ عَنْهَا كُلَّ مَلْحَمَةٍ   فِيمَنْ تُعَادِيهِ أَوْ فِيمَنْ تُعَاهِدُهُ

وَاسْتَوْطَنَتْكِ .. وَمَاذَا قَدْ أَقُولُ هُنَا ؟    يَكْبُو الْكَلَامُ عَلَى حَالٍ تُجَسِّدُهُ

مَا عَادَ فِيكِ سِوَى حَيٍّ يَنُوحُ أَسًى   أَوْ وَادِعٍ يَسْتَغِيثُ اللهَ مَرْقَدُهُ

وَالْقِبْلَتَانِ يَدٌ مَرْفُوعَةٌ أَبَدًا  وَالْكَوْنُ مِنْ خَلْفِهَا تَتْرَى مَوَاجِدُهُ

 

أَرْضَ الْقَدَاسَاتِ لَوْ تَسْتَنْهِضِينَ هَوًى    مِنْ نَاسِفٍ ثَارَ فِي كَفٍّ تُجَرِّدُهُ

أَوْ تَأْمُرِينَ رَصَاصًا أَنْ يَعُودَ عَلَى  مُلْقِيهِ أَوْ قَائِدًا يُرْدِيهِ مِقْوَدُهُ

لَوْ تَنْثُرِينَ عَلَى بُرْكَانِهِمْ أَثَرًا   مِنْ خَطْوِ أَيِّ رَسُولٍ كَانَ يُخْمِدُهُ

لَوْ تَلْمَسِينَ عَنَانَ الْأُفْقِ خَاشِعَةً    لَانْسَلَّ ظِلُّ خُطَى الْعَاتِي يُبَدِّدُهُ

لَصَارَ دَيْنًا عَلَى الْأَيَّامِ مُنْتَظَرًا   تُرْجِيهِ لَكِنَّهَا حَتْمًا تُسَدِّدُهُ

حَتَّى إِذَا جَاءَتِ الْأُخْرَى عَلَى عِدَةٍ   يَهْوِي الْمَشِيدُ وَيَهْوِي مَنْ يُشَيِّدُهُ

إِنْ يَفْتَحِ اللهُ بَابَ النَّصْرِ ذَاتِ دُجًى  مَنْ ذَا الَّذِي يَا عُيُونَ الْقُدْسِ يُوصِدُهُ

الأربعاء، 16 سبتمبر 2020

جدلية (الأنا) و(الاخر) في قصيدة( أمنية) للشاعرة هند النزاري كمال عبد الرحمن ناقد من العراق

 

 

 

جدلية (الأنا) و(الاخر) في قصيدة( أمنية) للشاعرة هند النزاري

كمال عبد الرحمن

ناقد من العراق

يميل الانسان الواعي العاقل دائما الى تجريد ذاته من كل عيب او نقصان،فاذا وقع في المحظور ، يحاول الصاق مساوئه في ذات اخرى ، لكن القصيدة قادرة على تعرية الاسرار وكشف المحظور،حتى لوكانت  هذه الذات مجهولة،او مبعدة عن طريق تشويش الحقيقة باستعمال لعبة الضمائر،فبدلا من(أخطأتُ انا)،يكون الايهام بضمير  المخاطبة مثلا(أخطأت انت) أو بضمير  الغياب (أخطأ هو)،والحقيقة ان لعبة الضمائر لاتستعمل دائما في السلوك السلبي للانسان،ولكنها قد تعمل في الجانب الايجابي من تصرفاته وسلوكياته،فمثلا اذا تصدق انسان كريم على متعفف،فيخجل ان يقول(تصدقتُ على فقير) ويمكن ان يقول(احدهم تصدق على متعفف) وهكذا، والعاشق قد لايذكر انه احب وتعذب ،وقد ينسب الحب والعذاب  الى شخص غائب  او مخاطب وكل هذا كلام في المجهول:

يَا لَيْتَ كُلَّ (لَيْتَ) تَقْتَفِي خُطَى    (لَعَلَّ) فِي الْإِمْكَانِ وَالْمُقَارَبَةْ

يَا لَيْتَهُنَّ يَرْتَدِعْنَ بَعْدَ أَنْ    أَسْرَفْنَ فِي التَّضْيِيقِ وَالْمُحَارَبَةْ

يَا لَيْتَهُنَّ يَعْتَمِدْنَ خِطَّةً    وَيَنْتَهِجْنَ مَنْهَجَ الْمُوَارَبَةْ

وواضح ههنا ان الشاعرة تتحدث عن( سيرة غيرية) فيما هي في حقيقة الأمر سيرة عامة:

*(تَأْتِيكَ إِحْدَاهُنَّ مِثْلَ غَيْمَةٍ    سَخِيَّةٍ تَحْدُو الْهُمُومَ الرَّاسِبَةْ = أأتي أنا/تأتين أنت/ تأتي هي)

وفي القصيدة  نقرأ  في مكان آخر للشاعرة هند:

إِذْ تُومِضُ الْآمَالُ فِي رُؤُوسِنَا    كَأَسْهُمٍ لِلطَّرْحِ وِالْمُضَارَبَةْ

كُلٌّ عَلَى (يَالَيْتَ) تُرْسِي سُوقَهَا    وَتَسْتَزِيدُ دُونَمَا مُحَاسَبَةْ

تَأْتِيكَ إِحْدَاهُنَّ مِثْلَ غَيْمَةٍ    سَخِيَّةٍ تَحْدُو الْهُمُومَ الرَّاسِبَةْ

فَتَنْتَشِي فِي وَهْمِهَا مُيَمِّمًا    آثَارَ أَيَّامِ الْحَنِينِ الْهَارِبَةْ

وواضح ههنا ايضا (رؤوسنا =  رؤوسهن = رؤوسكن).

اشك ان الشاعر/ الشاعرة  عندما تشرع في كتابة قصيدة تكون مراعيا ـــــــ مسبقا ــــ لأيدلوجية كتابية معينة،تفرضها نوعية النص الذي هو بصدد كتابته،وطبيعة القارىء الذي سيوجه اليه النص،كما ان القارىء عندما يشرع ايضا بالقراءة،فانه يضع ثوابت معينة ،لابد من توافرها في النص(1)،تتعلق بنوعية النص الذي امامه،ونوعية العدة المعرفية التي يجب ان يشحذها،وهو يتهيأ للغوص في أغوار النص بغية الكشف والتحليل،فالقارىء لابد من ان يكون متسلحا بثقافة مرجعية ومعرفية،كي يتمكن من التفاعل مع النص،لأن تلقي العمل الادبي  ـــ حسب آيزر ـــ يقضي التفاعل  بين بنيته ومتلقيه،وهو ما يتطلب تركيزا على تقنيات الكاتب،وعلى الافعال المتجاوبة مع النص الذي يستمد حيويته من القراءة الفاعلة(2)،من هنا يأتي دور الشاعر لينتقي من هذه العناصر والمعايير ما يشكل مجموعة أو نسقا من العناصر الوسيطة بينه وبين القارىء،وهو ما يعرف بــ ( استراتيجية النص)،أي((طرائق اختيار وتنسيق هذه العناصر))( 3) حسب قول آيزر،ومن حقنا كقراء ان نسال لماذا هذا الألحاح:

1. يَا لَيْتَ كُلَّ (لَيْتَ) تَقْتَفِي خُطَى    (لَعَلَّ) فِي الْإِمْكَانِ وَالْمُقَارَبَةْ

يَا لَيْتَهُنَّ يَرْتَدِعْنَ بَعْدَ أَنْ    أَسْرَفْنَ فِي التَّضْيِيقِ وَالْمُحَارَبَةْ

يَا لَيْتَهُنَّ يَعْتَمِدْنَ خِطَّةً    وَيَنْتَهِجْنَ مَنْهَجَ الْمُوَارَبَةْ

2. تَقُولُ (يَا لَيْتَ) وَلَا تَقُولُهَا    كَأَنَّهَا رَجْعُ الرِّغَابِ الصَّاخِبَةْ

فَتَحْتَوِيكَ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ    فِي غَفْلَةٍ مِنْ الرُّؤَى الْمُشَاغِبَةْ

تَهِيمُ فِي سَمَائِهَا مُؤَمِّلًا    عَلَى خُطًى عَلَى النُّشُوزِ دَائِبَةْ

3. يَا (لَيْتَ) يَكْفِينَا الَّذِي أَصَابَنَا    لَا تُومِئِي لِلْأُمْنِيَاتِ التَّائِبَةْ

هَلْ كُنْتِ مَنْطِقِيَّةً لِمَرَّةٍ    كَيْ يُرْتَجَى أَلَّا تَكُونِي كَاذِبَةْ

(تَقْتَفِي / يَا لَيْتَهُنَّ / يكفينا / أصابنا/عاشقان ) كيف يمكن للشاعرة ان تكون(الراوي العليم) ـــ كما يقول تودوروف ـــ (4)،حيث يتضح ان(السارد/النّاص) يحمل ازدواجية واضحة هنا بمفهوم الشخصية والزمن،وبهذا نكون امام ذاتين،قد تتقاربان في تصنيف الوقائع ومعايشتها،وتختلفان في رؤيتيهما(5)،لذلك لابد لنا هنا من تبيان انواع(الرؤية)،لأثبات نظريتنا  التي تقول(( لايمكن للذات ان تتحدث عن ذات أخرى بتفاصيل لاتعرفها الثانية عن نفسها اكثر مما تعرفها الاولى عنها ما لم تكن الذات الثانية هي الذات الاولى عينها وابعدتها عن تصوراتنا وتوقعاتنا لعبة الضمائر)):

الرؤية:

يصف بوبون زاوية الرؤية في ثلاثة تشكلات هي:

1.   الرؤية مع: وتتساوى فيها معرفة السارد بمعرفة الشخصية المركزية،ويستنبطها بوبون من نص الذكريات:

تَأْتِيكَ إِحْدَاهُنَّ مِثْلَ غَيْمَةٍ    سَخِيَّةٍ تَحْدُو الْهُمُومَ الرَّاسِبَةْ

فَتَنْتَشِي فِي وَهْمِهَا مُيَمِّمًا    آثَارَ أَيَّامِ الْحَنِينِ الْهَارِبَةْ

تَقُولُ (يَا لَيْتَ) وَلَا تَقُولُهَا    كَأَنَّهَا رَجْعُ الرِّغَابِ الصَّاخِبَةْ

فَتَحْتَوِيكَ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ    فِي غَفْلَةٍ مِنْ الرُّؤَى الْمُشَاغِبَةْ

 

2.    الرؤية من الخلف: ويكون فيها السارد عليما بكل شيء،اي يعرف اكثر من الشخصية المركزية(كما في هذه القصيدة حيث تعرف الشاعرة عن الاخر اكثر مما يعرف الاخر عن نفسه):

وَتَفْتَحُ الْعَينَ الَّتِي أَغْلَقْتَهَا    فَلَا تَرَى إِلَّا شُمُوسًا غَارِبَةْ

                  يَا (لَيْتَ) يَكْفِينَا الَّذِي أَصَابَنَا    لَا تُومِئِي لِلْأُمْنِيَاتِ التَّائِبَةْ

هَلْ كُنْتِ مَنْطِقِيَّةً لِمَرَّةٍ    كَيْ يُرْتَجَى أَلَّا تَكُونِي كَاذِبَةْ

 

3. الرؤية من الخارج: وفيها تقتصر معرفة السارد على المظاهر الخارجية من الشخصية دون التغلغل الى اعماقها(6):

و تَقُولُ (يَا لَيْتَ) وَلَا تَقُولُهَا    كَأَنَّهَا رَجْعُ الرِّغَابِ الصَّاخِبَةْ

فَتَحْتَوِيكَ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ    فِي غَفْلَةٍ مِنْ الرُّؤَى الْمُشَاغِبَةْ

تَهِيمُ فِي سَمَائِهَا مُؤَمِّلًا    عَلَى خُطًى عَلَى النُّشُوزِ دَائِبَةْ

تَطُوفُ مِنْ عُلَاكَ فِي مَجَرَّةِ    قَدِيمَةٍ فِي كُلِّ عُمْقٍ ضَارِبَةْ

تَقُولُ هَيْهَاتَ لِكُلِّ وِجْهَةٍ    لِغَايَةٍ مَجْنُونَةٍ مُغَاضِبَةْ

لاشك ان قصيدة الشاعرة  هند النزاري متوهجة بالصور الشعرية والمجازات اللغوية الخلابة(فَتَحْتَوِيكَ لَحْظَةً بِلَحْظَةٍ / فَلَا تَرَى إِلَّا شُمُوسًا غَارِبَةْ / تَأْتِيكَ إِحْدَاهُنَّ مِثْلَ غَيْمَةٍ/  تَطُوفُ مِنْ عُلَاكَ فِي مَجَرَّةِ/  (لَعَلَّ) فِي الْإِمْكَانِ وَالْمُقَارَبَةْ).   

وشيء من  ذكاء الشاعرة  هند النزاري وقدرتها على العطاء هو التلاعب بالضمائر في تشكيل نصها الشعري باسلوب فني جميل اعطى  شعرها نكهة ابداعية جديدة..فنجحت  قصيدتها.

 

 

الهوامش

(1) القصيدة السير ذاتية،د.خليل شكري :5

(2)فعل القراءة،فولغنانتغ،ت:حميد لحمداني وزميله:12

(3)ظاهرة التلقي في الادب،محمد علي الكردي:28

(4) الادب والدلالة:84

(5) الشعرية:51

(6) نقلا عن تحليل الخطاب الروائي:288،وينظر:شعرية الخطاب السردي:93،وكذلك: البناء الفني في الرواية العربية في العراق،د.شجاع العاني:173)

 

الجمعة، 7 أغسطس 2020

ألو .. بيروت

 

                                      ألو .. بيروت !

أنا لم أزرْ بيروتَ حتى الآن

لكني

زرعتُ ضفائري في نهرها

وجمعت أصدافَ القصائدِ من ضفاف عيونها

وأنا هنا في القِبلتينْ   

أنا كنتُ أسكنُ كل يوم حارةً فيها

وأقطفُ زهرةً

وأعيشُ قصة عاشقينْ

أنا هِمتُ بالأرضِ التي أهدت لجبرانَ الهوى

ونثرت فوق وسادتي منها

ترابَ قصيدتينْ

 

أنا مِتُّ من حمّى الحنينِ وعشتُ أشجانَ الوَتَرْ

وأفقتُ جذلى كي أجمّع أغنياتِ الريحِ

من شرفاتِ أيّامي

وأنفاسَ المطرْ

وصعدتُ فوق السطح مراتٍ ومراتٍ

أمدُّ يديَّ حتى أجتني لحبيبِ فيروزَ القمرْ  

 

أوّاه يا بيروت لو تدرين ما تعنينه

للحبِّ فينا

للعروبةِ 

للسلامِ وللكفاحْ

كم هزّنا أن تألمي

وأقضَّ مضجَعَنا تلقّيكِ الجراحَ

على الجراحْ

نحن اغترفنا العشقَ من عينيكِ

مذ غنَّتْ (ألو بيروت) للدنيا (صباحْ)

 

واليومَ .. يا لليومِ !!

ترجف أمةٌ

تهتزُّ شطآن وبيدْ

اليوم ينزف ليلُ نجدٍ والحجازِ

وتُذبحان من الوريدِ إلى الوريدْ  

يا للأسى !!

من شَجَّ وجهَ مليحةِ الدنيا وحطَّم قلبها

من هزَّ لبنان الكرامة غيلةً  

من روَّع الشعب العنيدْ

الجمعة، 31 يوليو 2020

طبيب الغلابة

                                                                    

طبيب الغلابة

في لحظةٍ مستطابَةْ بين الرّجَا والإنابَةْ
والناس من كل حدبٍ يرجون غيث السحابَةْ
منهم قريبٌ يناجي بالدمع مَن دقَّ بابَهْ
ومبعدٌ تاقَ حُبّاً وذَوّبَتْه الصّبابَةْ
لمّا رأى الجَمع يدنو شوقاً أطالَ انتحابَهْ
ومن تمنّى طويلاً والعجز أعيا ركابَهْ
فصار قلباً معنىً وَجْداً وروحاً مصابَةْ
وبات مثلي ينادي مستوثِقاً في الإجابَةْ
يقول : يا رب فضلاً في دعوة مستجابَةْ
خذني بعفوٍ كريمٍ عما أطلتُ ارتكابَهْ
واغفر لأهلي جميعاً وارحم ( طبيبَ الغَلابَةْ )
لاقاك فاكتبْهُ فضلاً من الهُداة الصحابَةْ
وارحمْهُ من هولِ يومٍ يخشى الوجودُ اقترابَهْ
قد كان فينا سفيراً للخير والكونُ غابَةْ
والناس أرباب قرشٍ والسّعيُ صِنْوُ الإثابَةْ
لله كم كان يحيي من أنفسٍ بالطبابَةْ
كم من مصابٍ تولّى بكفِّ رفقٍ مصابَهْ
ومُقْتِرٍ عذّبَتْهُ الشكوى فأنهى عذابَهْ
أكرمْهُ يا ربِّ واقبلْ إحسانَهُ واحتسابَهْ
وارفعْهُ فوق البرايا ربِّي ويَمِّنْ كتابَهْ
واغفرْ ذنوبي فإنّي من هؤلاء (الغلابَةْ)
هند النزاري