ومضت زهرة فجر ما صافحت كف الصباح بعد ، ابتلعها طريق سفرها اليومي كما
ابتلع صاحباتها قبلها ثم قال لسامر الصغير الذي تركته خلفها :
سامر
ـــــــــــ
لك الرحمن يا سامر
صغير أنت لا تدري عن الأسفار عن ربانها الغادر
صغير أنت لا تدري عن الطرقات إذ تخفي خناجرها وراء الليل مشرعة
لتهتك ثوبه الساتر
تبدد صمته بدوي طوفان الدم الهادر
ألم تسمع بدرب الموت يا سامر ؟
ألم تسمعه لما قال منتشياً :
صباح الذعر يا ترنيمة الأرواح
أنا الدرب الذي يكتظ بالأشباح
أنا الموت الذي تطغى روائحه على نشر الصبا الفواح
أريد فطوري المعتاد قبل طلائع الإصباح
أريد خواني العامر
عرفتَ علاقتي باليتم يا سامر
عرفت علاقتي بالرزق والسفر
فهمت مخاوف الغادين في أفواههم تعويذة الخطر
ولحن وداعهم والصبح يحملهم إليّ على أكف الخوف والحذر
فكيف لو استمعت إلى ضجيج الرعب يدوي حين أبلعهم
وعذري أنني قدر يسوق مراكب الأحباب للقدر
وأن الموت يسكنني وأني وجهه الآخر
سيحفظ عقلك المذهول طول العمر صيحاتي
ستكبر رغم كل البؤس في عتم المعاناة
ستسمع كل يوم عن حكاياتي
أنا الدرب الذي ساق الأماني للنهايات
أنا سِفْر من الأحزان تقرؤه عيون اليتم والثكل
أنا الخوف الذي لف المنى بملاءة الأجل
أنا بؤس سيعطي إذنه للشعر كي
يبكي على الطلل
أنا حظ الغد العاثر
تعال إلي يا سامر
تعال وخذ بقايا عقد أمك من براثن رملي الساخر
وفتش بين آكامي هناك كتيب
الأذكار
فخذه وخذ بقايا باقة الأزهار
وخذ مفتاح بيتكم الذي لن تفتحوه بعد هذا اليوم للتذكار
وأغلق ذلك النقال أزعجني نداء ملحة وجلى
تعال اجمع لها أشياءها الثكلى
وصورني لها وانقل تفاصيلي
وبلغها تراتيلي على جثمانها الطاهر
ودع لي بقعة كالمسك من دمها تخالطها بقايا عطرها الفاخر
تعال اقرأ رسالتها ورددْ آخر الكلمات
فقد همست قبيل الموت لي همسات
وألقت في أثيري صرخة هزت قواي لكل عابرةٍ
يطير بها قطار العمر يوميا
وسائرةٍ إلى المجهول تطوي في إهابي حلمها طيا
مسافرةٍ تودع كل يوم قلبها وتروح كي تغدو
مقالاً في كتاب الكون منسيا
بأن عودي ويكفي ما سقينا الموت من دمع وآمال
ويكفي ما تركنا خلفنا للأهل من حزن وأحمال
ويكفي ما تناثر فوق درب الموت من أحلام أطفال
كفانا ما تركنا في خباء البؤس من ثكلى
وما في دفتر الأيتام من سامر