الأحد، 13 ديسمبر 2020

لا عزاء للقبلتين

 

                          لَا عَزَاءَ لِلْقِبْلَتَيْنْ

فِي مَكَّةَ الْوَحْيِ  بَيْتٌ شَاعَ سُؤْدَدُهُ  يَرْنُو لَهُ الْكَوْنُ وَالْآفَاقُ تَقْصِدُهُ

 وَالنُّورُ يَرْسُو عَلَى أَرْكَانِهِ عُمُداً  زُهْرٌ قَرَابِينُهُ تَتْرَى قَلَائِدُهُ

لَكِنَّ أَشْوَاقَهُ لِلْقُدْسِ مَا بَرِحَتْ  فِي كُلِّ بِارِقِ آمَالٍ تُعَاوِدُهُ

فِي رُوحِهِ مِنْ دَوَاعِي فَقْدِهَا أَلَمٌ   وَأُمْنِيَاتٌ يُرَجِّي قُرْبَهَا غَدُهُ

وَمِنْ صَفَاهُ إِلَى مَرْوَاهُ أَسْئِلَةٌ  مَوْجُوعَةٌ تَنْجَلِي عَمَّا يُرَاوِدُهُ

أَمَا تَزَالُ عَلَى ذِكْرَاهُ بَاقِيَةً  أَمْ فَاتَهَا فِي زَمَانِ الْفَقْدِ مَوْعِدُهُ ؟!

وَهَلْ لَهُ نَحْوَ مَا يَرْجُوهُ مِنْ أَمَلٍ  أَمْ أَنَّهَا مَحْضُ أَحْلَامٍ تُرَاوِدُهُ؟!

عَلَى جَنَاحِ بُرَاقٍ لَا يَزَالُ بِهِ    يُدْنِيهِ مِنْ قُبَّةِ الْأَقْصَى وَيُبْعِدُهُ

مِنْ صَخْرَةٍ أَمَّتِ الْمِعْرَاجَ وَابْتَهَلَتْ  مِنْ سَاحَةِ النُّورِ إِذْ يَسْرِي مُحَمَّدُهُ

وَهْوَ الْمُحَرَّمُ وَهْوَ الْبدء وهو ثرى  عتقٍ من العرش قد مُدت قواعدُهُ

مَا زَالَ يَلْتَمِسُ الْقُدْسَ الَّتِي سُلِبَتْ  فِي كُلِّ فَوْجٍ مِنَ الْآفَاقِ يَقْصِدُهُ

مَا زَالَ يَبْعَثُ نَشْرَ الْعَاكِفِينَ لَهَا  وَجْدًا إِلَى مُنْتَهَى الْأَصْوَاتِ يُصْعِدُهُ

وَخَلْفَ كُلِّ أَذَانٍ رَجْعُ أُمْنِيَةٍ    أَنْ يَسْمَعَ الْكَوْنُ فِيهَا مَنْ يُرَدِّدُهُ

وَفِي رُبَى طَيْبَةَ الزَّهْرَاءِ أَجْنِحَةٌ  مِنْ عَابِدٍ يَسْتَقِيهَا الْحُبَّ مَعْبَدُهُ

مِنْ آمِلٍ فِي مَسِيرٍ نَحْوَ جَنَّتِهَا   أَوْ قَانِتٍ فَوْقَ هُدْبِ اللَّيْلِ مَسْجِدُهُ

أَوْ عَاشِقٍ إِنْ تَجَافَى دَمْعُ حُرْقَتِهِ  يَسْتَرْفِدُ الرَّوْضَةَ الْأَسْنَى فَتَرْفِدُهُ

يَمُدُّ حَبْلَ وِصَالٍ مُوغِلًا قِدَمًا    مَا كَانَ أَغْنَاهُ عَنْ جُرْحٍ يُوَطِّدُهُ!

قُدْسُ الْقَدَاسَاتِ مِيقَاتُ الْخُلُودِ ثَرَى  مِحْرَابِ صِدْقٍ لَهُ فِي الْغَيْبِ سُؤْدَدُهُ

تِلْكَ الَّتِي سِيقَ خَيْرُ الْعَالَمِينَ لَهَا   طُهْرًا تُزَكِّيهِ أَوْ نُورًا تُعَمِّدُهُ

تِلْكَ الَّتِي رَفَعَتْ لِلْمُعْجِزَاتِ يَدًا  وَاسْتَأْنَسَ الْحَقُّ مِنْهَا مَنْ يُجَسِّدُهُ

كَمْ مُصْطَفًى عَمَّتِ الدُّنْيَا هِدَايَتُهُ  فِي الْقُدْسِ مَثْوَاهُ أَوْ فِي الْقُدْسِ مَوْلِدُهُ

كَمْ آيَةٍ آنَسَتْ مِينَاءَهَا فَرَسَتْ   وَكَمْ كِتَابٍ تَجَلَّتْهَا فَرَائِدُهُ

كَمْ صَادِرٍ عَنْ مَآقِيهَا يَطُوفُ ذُرَى الْإيمَانِ وَالْعَالَمُ الْعُلْوِّيُ مَوْرِدُهُ

كَمْ ظَاعِنٍ مُنْذُ أَنْ حَيَّا مَنَائِرَهَا    أَلْقَى عَصَاهُ وَوَجْهُ اللهِ  مَقْصِدُهُ

حَلَّ الْوُجُودُ بِهَا فَاخْضَرَّ وَانْتَبَهَتْ  بُشْرَى وَفَاضَ عَلَى صُبْحٍ تَوُرُّدُهُ

مَرَّتْ عَلَى مُقْلَةِ التَّارِيخِ شَامِخَةً  مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْتَرِيهَا مِنْهُ أَسْوَدُهُ

كَانَتْ وَكَانَ زَمَانٌ مُورِقٌ عَبِقٌ   وَالْيَوْمَ جُرْحٌ  مَصِيرِيٌّ نُكَابِدُهُ

وَكَانَ لِلْحَقِّ ثَغْرٌ نَاطِقٌ وَلَهُ  فِي كُلِّ سَانِحَةٍ سَهْمٌ يُسَدِّدُهُ

فِي أَيِّ كُوَّةِ بُؤْسٍ قَدْ كَمَنْتَ لَهَا  يَا غَدْرُ ؟ أَيَّ اتِّفَاقٍ جِئْتَ تَعْقِدُهُ ؟

مَلَّكْتَ آمِنَةً يَهْفُو السَّلَامُ لَهَا  مَنْ أَنْجَبَ اللَّعْنَةَ الْأُولَى تَمَرُّدُهُ !

كَيْفَ اسْتَطَلْتَ عَلَيْهَا وَاصْطَنَعْتَ لَهَا  بَغْيًا تَطُوفُ عَلَى الدُّنْيَا مَوَائِدُهُ ؟!

بَغْيًا دَعَاوَاهُ تَضْلِيلٌ وَدَوْلَتُهُ   لَا تَسْتَحِلُّ ثَرًى إِلَّا وَتُفْسِدُهُ

تَاهَتْ عَلَى كَوْكَبِ التَّارِيخِ  يَسْرُدُهَا  فِي كُلِّ مَشْهَدِ إِقْصَاءٍ وَتَسْرُدُهُ

حَتَّى أَنَاخَ بِهَا فِي الْقُدْسِ مُجْتَرِئٌ    يَا لَيْتَهَا قُطِعَتْ مِنْ دُونِهَا يَدُهُ

كَيْفَ اسْتَبَاحَتْ ضَمِيرَ الْكَوْنِ فِي سِنَةٍ   فَضَمَّهَا مِنْ تُرَابِ الْأَرْضِ سَيِّدُهُ

تِلْكَ الَّتِي قَدْ تَحَدَّتْ رَبَّهَا حِقَبًا  وَاسْتَنْكَفَتْ كَوْنَهَا فِيمَنْ يُوَحِّدُهُ

وَاغْتَالَتِ الْحَقَّ يَسْعَى فِي رَسَائِلِهِ   فِي مُرْسَلِيهِ وَفِي آيٍ تُمَجِّدُهُ

قَدْ وَقَّعَ الْغَدْرُ عَنْهَا كُلَّ مَلْحَمَةٍ   فِيمَنْ تُعَادِيهِ أَوْ فِيمَنْ تُعَاهِدُهُ

وَاسْتَوْطَنَتْكِ .. وَمَاذَا قَدْ أَقُولُ هُنَا ؟    يَكْبُو الْكَلَامُ عَلَى حَالٍ تُجَسِّدُهُ

مَا عَادَ فِيكِ سِوَى حَيٍّ يَنُوحُ أَسًى   أَوْ وَادِعٍ يَسْتَغِيثُ اللهَ مَرْقَدُهُ

وَالْقِبْلَتَانِ يَدٌ مَرْفُوعَةٌ أَبَدًا  وَالْكَوْنُ مِنْ خَلْفِهَا تَتْرَى مَوَاجِدُهُ

 

أَرْضَ الْقَدَاسَاتِ لَوْ تَسْتَنْهِضِينَ هَوًى    مِنْ نَاسِفٍ ثَارَ فِي كَفٍّ تُجَرِّدُهُ

أَوْ تَأْمُرِينَ رَصَاصًا أَنْ يَعُودَ عَلَى  مُلْقِيهِ أَوْ قَائِدًا يُرْدِيهِ مِقْوَدُهُ

لَوْ تَنْثُرِينَ عَلَى بُرْكَانِهِمْ أَثَرًا   مِنْ خَطْوِ أَيِّ رَسُولٍ كَانَ يُخْمِدُهُ

لَوْ تَلْمَسِينَ عَنَانَ الْأُفْقِ خَاشِعَةً    لَانْسَلَّ ظِلُّ خُطَى الْعَاتِي يُبَدِّدُهُ

لَصَارَ دَيْنًا عَلَى الْأَيَّامِ مُنْتَظَرًا   تُرْجِيهِ لَكِنَّهَا حَتْمًا تُسَدِّدُهُ

حَتَّى إِذَا جَاءَتِ الْأُخْرَى عَلَى عِدَةٍ   يَهْوِي الْمَشِيدُ وَيَهْوِي مَنْ يُشَيِّدُهُ

إِنْ يَفْتَحِ اللهُ بَابَ النَّصْرِ ذَاتِ دُجًى  مَنْ ذَا الَّذِي يَا عُيُونَ الْقُدْسِ يُوصِدُهُ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق