الجمعة، 17 أكتوبر 2014

ولادة في محراب الموت


... قرأت خبراً عن طفل حديث الولادة وُجد في مغسلة للموتى ، فتأملت صورته المرفقة بالخبر، وخُيل إليّ أني سمعته يقول :

عمتمْ مساء أيها الأمواتُ .. إني أعتذرْ
أزعجتكم ! أنا آسف
أنا لم أخطط للقدوم أحبتي
أنا مجهد قد تاه عن أولى محطات السفر
قد جئت لا أدري أكانت صدفة
أم موعد بين احتفالات الحياة وأبجديات الضجر  
أم أن ثَمّ رسالة للعالمين  
مفادها أن الطفولة تحتضر !!

ردوا التحية وافتحوا أحضانكم
وتلطفوا إني غريب عابر أوطانكم
مترجل عن موطني لم أختبر حجم الفضاء
متدثر بالصمت لم أرفع يدي مطالباً بالخبز أو بالكبرياء
لا تأبهوا لقدوم إنسانٍ صغير
قد جاءكم إذ لم يسعه الكون
مرتاح الضمير
نبضٍ تهيأ للتشرد في لفافات الحرير

ما كنت أعرف مثل هذا البرد أو هذا الجمود    
مع أن أمي مهدت لي وهي توصيني مراراً بالصمود 
خطواتها المرتجة الوجلى ورائحة التعب    
أناتها كلماتها ورفيف مسجون بقربي ينتحب
والخوف في دمها وأمواج اللهب
ومرارة من بين جنبيها تفوح    
وبرودة في جثة من غير روح  
و طلاسم
ما كنت أدري أنها كانت تهيئني لمأساة الوجود  

ربتت على رأسي وقالت : لن تضيع .. و غادرتني للفناء
لفت عليّ وشاحها
وبكت طويلاً ثم ألقتني لناصية الخواء
ومضت تكرر : لن تضيع !
سأضيع يا أمي فليس سوى الضياع
وأنا أسافر مجهداً رث المتاع
تتصاعد الأرواح من حولي وأهوي في فضاء البؤس من قاع لقاع
قد جئت محمولاً إلى الموتى أهلل للوجود
متطفلاً أتلمس النبضات في أحضانهم
فاستعصموا بالصمت مني واستكانوا للجمود
لم يأبهوا لحرارة الشكوى على صوتي وإطراق الرجاء
هم يسكنون البرد يا أمي ويخشون الضياء



قد جئتكم بهواجس شتى ونفس مثقلة
وعلى جبيني قبلتان وفي عروقي زلزلة
لم أحترف بعدُ الكلام
والموت حولي لا ينام
فهناك موتى يصرخون
وهنا تجمد آخرون
وعلى الطريق رأيت موتى يعبرون
ويثرثرون
ضوضاؤهم ما حركتكم لحظة  
وكأنكم تتجاهلون وجودهم    
مع أنكم متشابهون تُطاوِلون الأرض تنتظرون أمراً بالقيام

أنا لست أدري مثلكم كيف انتهيتُ إلى هنا 
ونصبت ساريتي ولا أدري ابتداءً من أنا 
لكنني في أحسن الأحوال مبعوث لكم
فلتقبلوني بينكم ولتسمحوا لي بالعبور
موتان ينتظرانني
لكنني أختار موتكم الوقور
كفني عليّ وصفحتي بيضاء ناصعة وجثماني طهور
لا أنتمي لفصيلة فتقبلوني كيفما شئتم
أقيموا أي طقس نحو أية قبلة
فأنا بأمر الله محسوم المصير

أنا لن أكلفكم سوى ركن صغير في الجوار
سأظل فيه مغمّض العينين محبوك الدثار
لا تخجلوا مني لدى كشف الحساب 
أنا لا أريد هناك شيئاً غير حضن من تراب
أنا لست معنياً بكم
أخطاؤكم أوزاركم أسراركم
لا تستثير تطفلي
فأنا سأتركها لكم
وأعود مسروراً لبيتي الأول
يا أيها الأموات هيا عجلوا
فقد اكتفيت من الحياة بكل ما فيها .. بجزء من نهار


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق